مقدمة عن المصادر المائية في فلسطين | سلطة المياه
تاريخ النشر: 2018/01/16

مقدمة عن المصادر المائية في فلسطين

منذ القدم أعتبرت المياه من أهم العناصر الأساسية لاستمرار الحياة على سطح الأرض، وقد جعل الله سبحانه هذهِ النعمة أساس الخلق لجميع الكائنات الحية حين يقول جلّ وعلا (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) الأنبياء: 30.

لقد شكلت المياه في المسيرة الإنسانية عاملاً مهماً في ظهور الحضارات وتقدمها، لما يشكله الماء من حالة استقطاب للأفراد وللجماعات مهدت لإقامة المجتمع وإرساء أسسه وإيجاد اللبنة الأولى لقيامه من خلال إقامة التجمعات السكانية بالقرب من الموارد المائية الطبيعية، ولم تتوقف حاجة الإنسان للمياه عند حدود الاستخدام الشخصي، بل تعدته لتشمل كل مجالات الحياة في النقل والزراعة والصناعة وتربية الحيوانات وغيرها.

في بلادنا فلسطين وعبر مر العصور لعبت المياه بنوعيها السطحي والجوفي دورا هاماً في إرساء قواعد الحياة والبناء لكافة أطياف المجتمع الفلسطيني قاطبة، حيث كانت ولا زالت تعتبر من المصدر الحيوي الذي كان يتزود به آباؤنا وأجدادنا لسد كافة احتياجاتهم اليومية من المياه وذلك لكافة الاستخدامات سواء كانت للشرب أو الزراعة أو الصناعة. فالمياه كان لها الدور التاريخي في تطور العديد من نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية لكل أطياف المجتمع الفلسطيني قاطبة، الأمر الذي ساعد الفلسطينيين الحفاظ على ديمومة بقائهم وتقاليدهم وعاداتهم التي رسخت في أرضهم كما ترسخ جذور أشجار الزيتون. تتميز فلسطين بشكل عام بوجود العديد من الينابيع المائية والأودية الموسمية التي وفرت للمواطن الفلسطيني عشرات الملايين من الأمتار المكعبة من المياه وبالتالي وفرت عليه جهدا كبيرا وشاقا ومكلفا اقتصاديا يعجز عن القيام به للحصول على المياه الأمر الذي ساعد على زيادة التنوع البيئي والطبيعي وازدهار المحميات الطبيعية ونمو النباتات والأشجار دائمة الخضرة في العديد من المناطق الفلسطينية.

لكن هذا الحال تبدل منذ عام 1967 عندما قام الاحتلال الاسرائيلي باحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة حيث يعود السبب الرئيسي في ما يعانيه الشعب الفلسطيني من نقص كبير في كميات المياه لسد احتياجاتنا الضرورية إلى الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية منذ العام 1967، وسيطرتهم على  مصادر المياه كافة، والقيام بحفر آبار عميقة داخل الضفة الغربية وقطاع غزة على امتداد الخط الأخضر من الجهة الغربية والشمالية للضفة الغربية، كذلك على الحدود الشرقية لقطاع غزة، بهدف سحب مصادرنا المائية الجوفية وتحويلها إلى المستعمرات الإسرائيلية وإلى داخل الخط الأخضر، ومنع المزارعين الفلسطينيين من الوصول إلى مياه حوض  نهر الأردن، وقيامهم بإغلاق المناطق الزراعية المحاذية للنهر، بحجج وذرائع أمنية واهية، كل هذه الممارسات والإجراءات مكنت الإسرائيليين من السيطرة والنهب واستغلال معظم مياهنا الجوفية والسطحية وحرماننا من الانتفاع بحقوقنا المائية.

ولهذا، يواجه قطاع المياه في فلسطين مشكلة حادة ومتراكمة في نقص كميات المياه لسد احتياجاتنا المنزلية والصناعية ومياه الشرب والزراعية وغير ذلك، وتزداد هذه المشكلة حدة سنة بعد سنة، نتيجة لازدياد عدد السكان، وتراجع معدلات مياه الأمطار، واستمرار الإسرائيليين في استغلال ونهب مياهنا.

إن معدل كميات المياه التي تنتج من الأمطار السنوية والتي تسقط داخل حدود الضفة الغربية تزيد على 650-800 مليون متر مكعب في السنة، وإذا أضيفت إليها حصتنا في حوض نهر الأردن والمقدرة بحوالي 250 مليون متر مكعب. باعتبار أن فلسطين طرف مشاطىء وشريك كامل في هذا الحوض، فإن حجم مصادرنا المائية المتجددة تصل سنوياً إلى معدل 1000 مليون متر مكعب، وهذه الكميات تكفي لسد حاجة الفلسطينيين لخمسين سنة قادمة بدون أية مشاكل، وعلى أساس 170 ليتر لكل فرد في اليوم، في حين لا نحصل حالياً سوى على 40 لترا للفرد في اليوم فقط. كذلك بالإمكان توسيع المساحات المروية الحالية إلى أربعة أضعاف، علماً بأن القطاع الزراعي في فلسطين هو من أهم القطاعات الاقتصادية، ولا ننسى أن الوضع المائي في قطاع غزة أصبح خطيراً، بسبب اتساع الملوحة، وازدياد مناطق التلوث وأنواعها عضوية وغير عضوية، وهناك حالة استنزاف لأحواض المياه الجوفية إذ يتم ضخ كميات مياه زائدة بنسبة تزيد على 120% من الطاقة السنوية المتجددة.

لهذا تبدو الصورة واضحة التعقيدات لقضية المياه وطبيعة النزاع الفلسطيني الإسرائيلي حول مصادر المياه في إطار المفاوضات المعقدة. ومن هنا يبدو أيضاً مدى الضرورة القوية بل والمصيرية للتمسك بمطالبنا وبموقفنا الثابت تجاه حقوقنا المائية، وبالتالي فإننا لن نقبل أية حلول قد تفرض علينا في هذا الشأن، إذا لم تضمن تلك الحلول استعادة سيطرتنا وسيادتنا الكاملة على مواردنا المائية الجوفية، وحقوقنا كاملة في حوض نهر الأردن.

جميع الحقوق محفوظة © سلطة المياه الفلسطينية 2024