الشراكة والتضامن اليوم تصنع مستقبل الهوية الأورومتوسطية
تعزيز الشراكة الأورومتوسطية أساس لمواجهة أزمات المرحلة الصعبة
تعزيز الشراكة الأورومتوسطية….لأننا جميع في مركب واحد
أمام المشهد العالمي اليوم لتفاقم الأزمات السياسة والاقتصادية والبيئية، وبالتوازي مع الكارثة الكبرى المتمثلة في انتشار فيروس كوفيد-19، والتي وضعت العالم أجمع أمام تحديات نوعية وتطورات يومية يصعب توقعها، أو الجزم بتداعياتها، وخصوصاً أن الخطر الحقيقي لا يتمثل فقط بالوباء وتبعاته الطبية، بل ما يليه من زعزعة الاستقرار الاقتصادي والتنموي والاجتماعي للمجتمعات المستقرة، وتفاقم الأوضاع الإنسانية الصعبة للملايين في المجتمعات الهشة.
وقد لا يكون هذا المشهد جلياً في مكان أكثر منه في إقليم البحر الأبيض المتوسط، نظراً للتوترات السياسية الصعبة التي تعيشها دول المنطقة وعلى رأسها الصراع العربي الاسرائيلي، والأوضاع في كل من سوريا وليبيا والعراق، والتوتر الحاصل في العلاقات التركية اليونانية وغيرها، يُضاف إلى ذلك تؤثر الإقليم الكبير بالإضرابات الأمنية عالميا، وتباين معدلات النمو الإقتصادي بين دول شمال وجنوب الإقليم، إضافة إلى ارتفاع نسب الهجرة القسرية، وارتفاع معدلات الفقر، كل ذلك إلى جانب التحدي الكبير المتمثل بأن الإقليم أصبح نقطة ساخنة على خارطة التغير المناخي.
ومن المؤكد أنّ أكثر القطاعات تؤثرا بتفاقم هذه الأزمات هو القطاع المائي، والذي يُعتبر أساسا لحياة وتنمية شعوب المنطقة، والسلاح الأول في مواجهة الفيروس، فالمؤشرات والحقائق للواقع المائي في الاقليم مقلقة، حيث يعيش أكثر من 180 مليون شخص فقرا مائيا، وأكثر من 80 مليون آخرين يعيشون تحت ظروف الإجهاد المائي، بالإضافة إلى مشاكل تلوث المياه، وإفتقار عدد من الدول إلى مرافق الصرف الصحي الملائمة، وحيث ومن المتوقع أن تتفاقم هذه الأرقام في العقود القادمة.
إنّ التحديات المائية التي تواجه منطقتنا هي جزء لا يتجزأ من معركة مواجهة الوباء، ومن مجموعة أوسع بكثير من القضايا ذات الأهمية المحورية في حاضرنا اليوم، من انخفاض الإنتاجية الزراعية، مروراً بالبطالة وانعدام الأمن الغذائي، وحتى بعض ما تشهده المنطقة من اضطرابات سياسية، إذ يرتبط معظم ما نواجهه اليوم من مستجدات صعبة بقضية المياه بشكل أو بآخر.
لقد أصبح التصدي لتحدي توفير المياه لملايين من شعوب المنطقة بمقاربات شاملة ومتكاملة أمراً عاجلاً وملحاً، يتطلب أولا مواقف وتحركات دبلوماسية وسياسية فاعلة، وبما يضمن حصول دول المنطقة على حقوقها المائية، وتستلزم تركيزاً أكبر على دعم الاستثمارات وضخ التمويل في هذا القطاع الحيوي، وفقا للاستراتيجية المالية التي تم اعتمادها من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد من أجل المتوسط، والتعاون في مواجهة التحديات المؤسساتية والفنية وخصوصاً في الدول العربية، والأهم تبني النهج الشمولي المبني على العلاقة بين المياه من جهة، والقطاعات الحيوية الأخرى، والتخفيف من حدة الفقر، وحماية البيئة، وخلق فرص العمل للشباب من جهة أخرى. ولابد من التركيز على المصادر البديلة والمتجددة بشكل أوسع، ومن المؤكد أن الإعلان الوزاري للمياه 2017، تشكل الاطار العام لكل هذه الاستراتيجيات، وتعتبر أجندة الاتحاد للمياه تطبقا هاما لها.
وتبقى حالتنا الفلسطينية لها بعداً خاصاً، والتي يعتبر ملف المياه من أصعبها، فنحن منذ عقود نواجه مخططات اسرائيلية للنهب والسيطرة على كافة المصادر المائية الجوفية والسطحية، حتى أصبحت المياه أداة فاعلة للتضييق على شعبنا وكسر صموده. والأخطر أن اسرائيل تستغل اليوم انشغال العالم بتداعيات الجائحة لمواصلة تنفيذ مخططاتها التوسعية وتحقيق غاياتها في قتل حلم اقامة الدولة الفلسطينية.
ولقد كنّا في السنوات السابقة، نحن وشركائنا نسابق الزمن لانجاز مشاريع وبرامج مائية لتدارك الكارثة التي كانت تهدد حياة أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة جراء انعدام المياه الصالحة للاستخدام الآدمي، واستطعنا اليوم تجاوز التحديات الكبيرة أمام برنامج محطة التحلية المركزية والذي يعتبر طوق النجاة من هذه الكارثة، وبدء العمل بالبرنامج هو خير مثال على أهمية التعاون والشراكة الحقيقية مع الاتحاد من أجل المتوسط ودول المنطقة وغيرهم من الشركاء الدوليين في تحسين حياة شعوبنا.
واليوم وحتى نكون قادرين على وضع استراتيجيات لما بعد أزمة كورونا، قادرة على إعادة عجلة الحياة والتنمية تدريجياً، والخروج بأقل الخسائر الاقتصادية والبشرية، لا بد وبشكل فوري من تكاثف وتكامل جهودنا لمواجهة تداعيات هذه الأزمة المشتركة، وفقا لخارطة طريق تحدد الأولويات والإمكانات بشكل واقعي قابل للتطبيق.
ولابد وبعد 25 عاما من اطلاق الشراكة الأورومتوسطية من عمل تقييم حقيقي لانعكاساتها على الأرض، للبناء على النجاحات ومعالجة المعيقات، مع التأكيد التام على أـهمية مبادئها الرئيسية المتمثلة في خلق منصة مشتركة للسلام والاستقرار عبر تعزيز الحوار السياسي والأمني، والعمل لتحقيق الازدهار المشترك من خلال شراكات اقتصادية فاعلة، وخلق التقارب بين الشعوب عبر شراكة ثقافية واجتماعية وإنسانية.
وهذه المبادئ لا يمكن تحقيقها إلا من خلال لعب دور أساسي في التخفيف من الأزمات والنزاعات، بناءا على احترام الحقوق السيادية للدول، وتطبيق قرارات وقوانين الشرعية الدولية، ومما يفرض علينا وضع استراتيجية تكاملية للتنمية أساسها الاستفادة من التنوع في الموارد الطبيعية والديمغرافية والإقتصادية، وتقليل التباين بين ضفتي البحر، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ولا بد من أن يكون أساس العمل التكاملي الايمان بأهمية خلق توازن بين المصالح المنفردة للدولة الواحدة والمصلحة العامة لشعوب المنطقة. الأمر الذي يقودنا لتكرير المطالبة بالعمل معاً حتى لا يكون الماء عاملاً آخراً مُفجراً للصراعات، بل لنجعله رمزاً للسلام والمحبة والتعايش بين أبناء شعوبنا.